اقتباسات محمد حسن عبد الجواد
كان يقف خلفها على سطح تلك البناية الشاهقة.. بينما هي كانت تقف بأطراف أصابعها على الإفريز الضيق ووجهها للفراغ.. وتبدو الموجودات في الأسفل.. صغيرة جدا.. وبعيدة جدا..
لم تجب..
أسبلت جفنيها.. كانت الرياح شديدة في تلك الساعة من وقت الغروب..و تخللت شعرها وأرسلت خيوطه السوداء الناعمة خلفها…كانت الشمس تضفي طابعا دمويا على تلك المدينة ذات الأبراج الصماء العملاقة .. ذات تصاميم حادة الزوايا وقاسية ومزعجة لعين الرائي.. وكأنها جبالا من الأسمنت والفولاذ.. كانت مدينة أخرى قد غاب عنها الجمال …كسائر مدن هذا العصر..
كان يرتدي معطفا أبيض لوثته الدماء الحمراء القانية.. تابع حديثه وهو يخرج يديه من جيبه وفي أحدها كان يستقر ذاك المشرط الحاد.. والذي رفعه في الفراغ وأخذ يحركه ببطء كمن يرسم بريشة فنان.
لقد فر .. فقد كان ما رآه مستحيلا ..لا يستطيع الاستمرار ..كل هذا لابد أن يتوقف..راح يعدو بأقصى ما تستطيع أن تمنحه سنوات عمرة التى تجاوزت المائة … كانت الأرض تميد من خلفه .. و العالم يسقط…كل الموجدات تسقط … كان يعتمد على عصاه الخشبية الغليظة ويديه مقبوضة على اللفائف التي سرقها منه…كان صدره يكاد يتمزق من نقص الهواء ..ولكن الضوء هناك في أخر النفق ..
.